"فرانس برس": موجة من الإعدامات الجماعية والاعتقالات في إيران
"فرانس برس": موجة من الإعدامات الجماعية والاعتقالات في إيران
نفّذت السلطات الإيرانية منذ اندلاع الصراع مع إسرائيل منتصف يونيو الماضي موجة جديدة من أحكام الإعدام وعمليات الاعتقال التي طالت المئات، في خطوة وصفتها منظمات حقوقية بأنها "أسلوب ترهيب" يهدف إلى قمع المعارضة الداخلية والتغطية على الإخفاق العسكري الذي كشفته الهجمات الإسرائيلية.
وأعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، التي تتخذ من النرويج مقرًا لها، أن 6 أشخاص أُعدموا بتهم تتعلق بالتجسس لصالح إسرائيل، فيما بلغ عدد المعتقلين أكثر من ألف شخص، شملت ناشطين وأفرادًا من أقليات عرقية ودينية، ووجّهت إليهم تهمًا ترتبط بـ"الإخلال بالأمن القومي أثناء الحرب"، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
واتهمت المديرة التنفيذية لمركز عبد الرحمن بوروماند في الولايات المتحدة، رويا بوروماند، الحكومة الإيرانية بمحاولة "زرع الخوف" بين المواطنين بعد ما وصفته بـ"الضربة المهينة" التي وجهتها إسرائيل عبر هجماتها الجوية الدقيقة التي كشفت هشاشة الدفاعات الجوية الإيرانية.
تصعيد ضد المعارضة
صرّحت بوروماند، في حديث لوكالة فرانس برس، بأن السلطات "تستخدم الخوف لمنع المواطنين من التعبئة وتنظيم أي معارضة داخلية، ويبدو أن ما نشهده اليوم هو فقط بداية تصعيد طويل".
وأصدر رئيس السلطة القضائية الإيرانية، غلام حسين محسني إيجئي، خلال اليوم الرابع من الحرب، توجيهات بإجراء محاكمات عاجلة لكل من يُشتبه في تعاونه مع إسرائيل، حسب ما أوردت وكالة أنباء محلية إيرانية.
وشملت الحملة الأمنية الأخيرة عددًا من الشخصيات المعروفة، أبرزهم الكاتب والمدافع عن حرية التعبير حسين روناغي، الذي يكتب في صحف دولية مثل وول ستريت جورنال، كما تم توقيف مغني الراب المعروف توماج صالحي والناشط آرش صادقي، قبل أن يُفرج عنهما لاحقًا بعد تعرضهما، بحسب تقارير، لاستجواب عنيف.
استهداف سجن إيفين
وقعت الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت سجن إيفين بطهران في 23 يونيو الماضي، ما أسفر -بحسب الرواية الرسمية الإيرانية– عن مقتل 79 شخصًا.
وفي أعقاب ذلك، نقلت السلطات عددًا من السجناء إلى أماكن مجهولة، وسط مخاوف متصاعدة على حياة سجناء بارزين، منهم الفرنسية سيسيل كولر وشريكها جاك باري، والطالب علي يونسي المعتقل منذ أبريل نيسان 2020.
وعبّرت فرنسا عن قلقها، مشيرة إلى أنها تلقت "ضمانات" بعدم إصابة مواطنيها، لكن شقيقة كولر، نويمي كولر، أكدت أن "مصير سيسيل وجاك ما زال مجهولًا".
ضغط شعبي داخلي
واجهت الحكومة الإيرانية انتقادات متصاعدة من الداخل، حيث عبّر العديد من الإيرانيين عن غضبهم إزاء فشل الحكومة في صد الهجمات الجوية الإسرائيلية والأمريكية.
وافتقرت الجمهورية الإسلامية منذ نهاية الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات إلى أنظمة إنذار فعالة وملاجئ مدنية، ما ساهم في سقوط قتلى مدنيين خلال الهجمات الأخيرة.
وحذّرت بوروماند من تكرار سيناريوهات دامية، مشيرة إلى أن "العنف المتزايد قد يشبه الإعدامات الجماعية التي أعقبت وقف إطلاق النار مع العراق"، والتي طالت آلاف المعارضين السياسيين.
وكشفت تقارير أن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين خلال الحرب شكّل "صدمة أمنية" للسلطات، ما دفعها إلى الإسراع في تنفيذ إعدامات وملاحقات أمنية طالت من تتهمهم طهران بالتجسس أو التواطؤ مع "العدو".
تضييق على الأقليات
وثّقت منظمة "هينغاو" لحقوق الإنسان، ومقرها النرويج، اعتقال نحو 300 شخص من أبناء الأقلية الكردية، بينهم نساء وفتيات، خلال الأيام الأخيرة، وسط اتهامات لهم بالانتماء لحركات معارضة أو التعاون مع أطراف خارجية.
وأشارت وكالة "هرانا" إلى استهداف منظم للأقليات الدينية غير المسلمة، لافتة إلى أن السلطات الإيرانية استدعت 35 فردًا من الجالية اليهودية، التي يُقدّر عدد أفرادها بنحو 10 آلاف شخص، للاستجواب بشأن ارتباطات مزعومة بإسرائيل.
واقتحمت قوات الأمن العشرات من منازل البهائيين في أنحاء متفرقة من البلاد، وصادرت مقتنيات واعتقلت أفرادًا، موجهة لهم تهمًا تقليدية بالارتباط بالخارج والهرطقة، في ظل حملة تُعد من أشد الحملات الأمنية استهدافًا لهذه الطائفة منذ أعوام.
حملة قمع منهجية
أكّد هادي قائمي، مدير مركز حقوق الإنسان في إيران، ومقره نيويورك، أن ما يحدث في إيران حاليًا يعكس حالة "نظام جريح يتعامل بعنف غير عقلاني مع أي تهديد محتمل".
ورأى أن التحديات الأمنية التي واجهتها الجمهورية الإسلامية خلال الحرب مع إسرائيل كشفت عن ثغرات بنيوية في بنيتها الدفاعية والاستخباراتية، وهو ما دفع النظام إلى ممارسة أقصى درجات القمع الداخلي لترميم صورته.
واختتمت تقارير المنظمات الحقوقية الدولية تحذيراتها بالإشارة إلى أن أي تصعيد قادم -داخلي أو خارجي- قد يُقابل من قبل النظام الإيراني بمزيد من الانتهاكات، في ظل ضعف واضح في مؤسسات الرقابة الداخلية والدولية على سلوك النظام القضائي والأمني في البلاد.